المصري نائب هتلر- رودلف هيس رحلة طويلة من الأسكندرية إلي الرماد

رودلف هيس ليس معروفا خارج ألمانيا، فماذا كان دوره كنائب لهتلر يقف علي يساره؟ وماذا كان مصيره بعد الحرب؟
في أواخر القرن التاسع عشر وصل والد هيس إلي الأسكندرية بحثا عن فرص أفضل للاستثمار وجمع المال، وقطن وزوجته في حي الإبراهيمية حيث رزق بولده رودولف عام 1894، الذي تعلم فيها معظم سنوات ماقبل الجامعة، وكان يجيد اللغة العربية باللهجة الريفية السائدة في محافظة الغربية.
التحق رودولف بالمدرسة الألمانية في الأسكندرية، وأصبح طفلا سكندريا عولميا، حيث كانت الأسكندرية تشبه نيويورك في تنوعها الثقافي والاجتماعي وحضورها العالمي.
لكن فالتر هيس والد رودولف، لم يتمكن من تحقيق أهدافه الرأسمالية، فاختار محافظة الغربية، وتوجه إلي زفتي خيث تعيش جالية ألمانية هناك وقتذاك.
أسس هيس منزلا واشتري فدادين بالمدينة وأنشأ ورشة لصناعة وصيانة الألات الزراعية، وألات النسيج، وامتك وابورين للطحين وعزبة في محيط قرية” الجنيدي” كانت تسمي عزبة هيس، إلا أن أهل القرية أسموها عزبة”هيت”.
يشير الباحثون إلي وجود وثائق تتعلق بملكية هيس بمجلس المدينة، منها خريطة بخط يده للأرض التي أقام عليها الورشة، ووثيقة أخري يرفض فيها مجلس المدينة طلب هيس إقامة سور حول الورشة.
أحفاد أشخاص من سكان زفتي تعامل أسلافهم مع عائلة هيس قالوا أن رودولف كان مولعا بمدينة طنطا، وكانت له صداقات واسعة هناك، وكان يزور طنطا بانتظام رغم استقرار والديه في زفتي.وقد طلب من والده الانتقال إليها مع بقاء الأملاك في زفتي.
كان نائب هتلر في السادسة عشر من عمره عندما غادر مصر عام 1910، لكنه عاد ليقضي أجازته عام 1912.
ولما صادرت السلطات البريطانية أملاك والد هيس عام 1914، إثر قيام الحرب العالمية الأولي، عاد رودولف هيس عام 1925 إلي زفتي ونجح في إلغاء المصادرة و استرداد أملاك والده. من البريطانيين الذي وصفهم هيس الأبن بأنهم قراصنة.
في عام 1934 رأي هيس الأب أنه من الأنسب أن يغادر وخاصة ان ابنه اصبح الشخص الأقرب إلي الزعيم الألماني أودولف هتلر الذي تولي السلطة قبل عام فقط. فباع هيس الأب أملاكه في زفتي إلي الحاج إبراهيم الفخراني الذي كان رئيسا للعمال والمساعد الأول لفالتر هيس.
عاد هيس إلي ألمانيا لكنه لم يمكث طويلا فعاد إلي الأسكندرية مرة أخري وعاش فيها هو وزوجته حتي عام 1939 حيث اندلعت الحرب العالمية الثانية، وضيقت بريطانيا الخناق علي الألمان في كل مكان.
كان ردولف هيس نائبا لهتلر فأرسل رسالة لرئيس الوزراء المصري أنذاك أحمد ماهر باشا عبر صديقة كمال الدين جلال ، يقول فيها” تعلم أنني ولدت بمصر وأني أحب مصر والمصريين، وأملي أن تسهل الحكومة المصرية، سفر والدي ووالدتي، وكذلك الألمان الذين احتجزتهم الحرب.
وقد استجاب ماهر باشا لطلب نائب هتلر، وأرسل والديه علي متن سفينة غادرت الأسكندرية بعد أيام.
كان رودولف هيس قريبا في هذه الأوقات من السفير المصري في برلين حسن نشأت باشا، حيث كانت تربطهما صداقة قوية.
رودولف هيس والسفير المصري في برلين حسن نشأت عام 1938
شهد هيس الأب تصاعد الحركة الوطنية المصرية بعد الحرب العالمية الأولي عام 1918 مطالبين بالاستقلال، ولما لم تستجب لهم الدول الأخري اندلعت ثورة عام 1919 بزعامة سعد زغلول.
بعد نفي سعد زغلزل إلى جزر سيشل، اندلعت المظاهرات، بينما أعلنت النخبة المثقفة بقيادة يوسف الجندي في زفتي استقلال المدينة وأطلقوا عليها جمهورية زفتي كتجربة تاريخية مثيرة.
توجهت القوات البريطانية لاقتحام زفتي وإسقاط الجمهورية المستقلة، لكنهم واجهوا مقاومة شرسة من الأهالي ، فعادوا إلي ميت غمر، لكنهم واجهوا أيضا مقاومة باسلة فقالوا” ما أسوأ من زفتي إلي ميت غمر” وهو مثل مازال يتردد حتي الأن بين المصريين.
بينما كان الأب يعيش أحداث جمهورية زفتي، كان ابنه يدرس في جامعة ميونخ، وتأثر فيها بأستاذ له في الجغرافيا السياسية الذي يري أن تتوسع ألمانيا شرقا وأن تسيطر علي شرق أوروبا.
الباحثون يرون أن اقتناع هيس برأي أستاذه، جعله يقنع هتلر بالفكرة، حيث انضم للحزب النازي عام 1920، وكون الاثنان علاقة صداقة، وسجنا معا في زنزانة واحدة وكتب هيس في السجن كتاب كفاحي الذي ألفه هتلر.وأصبح هيس متفانيا في خدمة هتلر.
شارك هيس مع هتلر في محاولة الانقلاب في ألمانيا عام 1923المعروفة باسم ” بيرل هول”، وسجنا معا علي اثر فشل الانقلاب بعد أن هرب، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، وبعد اقل من عام تم الإفراج عنه بعفو رئاسي.
عمل رودولف هيس سكرتيرا ثم مساعدا ثم نائبا لهتلر، ولم يكن هيس يناقش أو يجادل فيما يخص الزعيم، بل كان ينفذ الأوامر، بلا تردد وبلا قلب أو عقل،وأطلق عليه زملاؤه بالفأر البني.
في محاكمة “نورمبرج” اعترف هيس بجرائمه وقتل أعداد كبيرة من اليهود في معسكر” أوشفيتز”.
في عام 1941 حيث كانت الحرب حامية الوطيس بين ألمانيا وانجلترا، إذ بهيس ومبادرة شخصية منه دون إخبار هتلر، يقل طائرة عسكرية وقادها في الليل خمس ساعات ونصف حتي وصل إلي اسكتلندا غلي الموقع المقصود فهبط بالمظلة في أحد الحقول وترك الطائرة تتحطم فالتقطه أحد المزارعين، وعندما حضرت الشرطة، طلب لقاء اللورد هاميلتون، أبرز الشخصيات العسكرية فوجد نفسه أمام اللورد هاميلتون، فعرفه بنفسه وذكره بلقائهما في أولمبياد برلين عام 1934 بحضور هتلر،وأخبره أن هدفه تحقيق السلام بين ألمانيا وانجلترا شريطة أن يغادر تشرشر السلطة ويتولي شخص أخر بدلا منه.
لكن هتلر أعلن أنه لايعلم بهذه الواقعة ونفي علاقته بها. وأمر تشيرشر بحبسه وظل بالحبس حتي تمت محاكمته في ” نومبيرج” وحكم عليه بالسجن مدي الحياة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ومن سجن في بريطانيا إلي سجن في برلين بحراسة أربع دول هي انجلترا وفرنسا والاتحاد السوفيتي وأمريكا، ماجعل الصحافة تصفه بأنه أغلي سجين في العالم ،حتي انتحر في عام 1987عن 93 عاما.
واعلنت أسرته أنه لم ينتحر، وقال النازيون الجدد أن الحراس البريطانيين قتلوه، في حين قال طبيب هيس أن الجثمان الذي رأه ليس لهيس، وأنه جثمان لشخص أخر.
تمكن العلماء في النمسا من وضع حد لنظرية المؤامرة التي احاطت بموت رودلف هيس نائب الزعيم النازي أدولف هتلر.
وكان البعض يعتقد أن هيس استبدل بشبيه في معتقله في سجن شبانداو في برلين قبل أن يعثر عليه مشنوقا في محبسه.
وتمكن فريق الباحثين في جامعة سالزبورج من الحصول على عينة من أحد أحفاد هيس وقارنوا الحمض النووي فيها بالحمض النووي في عينة من دم هيس كانت محفوظة في النمسا.
وبمقارنة الحمض النووي في العينتين اتضح أن نسبة التطابق تقترب من 100 في المائة وهو ما يؤكد أن الشخص الذي شنق في سجن شبانداو عام 1982 كان بالفعل رودلف هيس.
وعندما زاد اعداد النازيين الجدد الذين يزورون مقبرة هيس، قامت السلطات بإزالة القبر وحرق جثمانه.
ابنته” برجيتا هيس” تعيش في الولايات المتحدة قالت أن أبيها بريء وأنه أكره علي الاعتراف بجرائم لم يرتكبها.