أخبار العالماخبار عالميه واوروبيهاخبار عربيهالنمساتحقيقاتمصرمنوعات

من واقع الغربة – الضياع!

 

سأم الفتي(م.ج) رغد العيش وحلو المحي ، وحياة العربدة والسكر والنساء والليل.. فقد عاشها لسنوات طوال، منذ أن أتي إلي النمسا.. فكل يوم نسخة من الذي قبله..حياة ضياع..لكنه أخيرا أراد أن يغير طريقة حياته وتفكيره ليكون مواطن أفضل في الغربة التي فرضها على نفسه طواعية.. فقد اشتعل الرأس شيبا وأكلت سنون الغربة منه عمرا في هذا النمط من الحياة.. فلم يعد يريد كل ذلك، بل يريد حياة مستقرة وزوجة من بني جلدته.

لم يكن أمامه إلا التفكير في مصر، فبنات مصر جميلات سمروات يتمتعن بأخلاق حميدة وتربية دينية سليمه…تنتظره حتي العودة من العمل ليجد الطعام جاهزا والبيت نظيف والأهم من ذلك ابتسامة عريضة علي شفتيها تنسيه شقاء العمل وتعبه.

لقد اشتعلت الفكرة في رأسه وأخذ يحلم بركوب طائرة مصر للطيران التي ستهبط به في مطار القاهرة الدولي ليلتقي بأهله، ويبحث وهم له عن بنت الحلال التي ستحفظ له إسمه وسمعته بين الجالية، والتي لم يتبق منهما شيئ إلا اللمم.

ها هو أخيرا في القاهرة..كان شغوفا متعجل إنهاء الإجراءات ليخرج من المطار بسرعة فيلتقي أمه وأخواته ويحتضنهم ويعانقهم بعد كل سنين الفراق.

أخيرا بعد حوالي ساعة يخرج ليواجه أمه لأول مرة منذ سنين طويلة..فيأخذها بالأعناق والقبلات ويرتمي برأسه علي صدرها الحنون وتنهمر عيناه من بكاء اللقاء ..كيف صحتك يا أماه ..وماذا فعل بك السكر والضغط اللعين..أتمنى أن تكوني محافظة علي العلاج..

أنا بخير ياولدي ، لكني أريد أن أراك عريسا ، فلم يعد في العمر بقية ..فأريد أن أفرح بك وأري أولادك وأحملهم علي يدي قبل أن أرحل عن هذ العالم وأذهب إلي أبيك.

حسنا يا أماه لقد جئت أولا لأراكي وأطمئن عليكي، وثانيا لأكمل نصف ديني وأتزوج من مصرية..فالبنت الأوروبية مختلفة الثقافة، متغايرة العادات والتقاليد التي لاتناسبنا كشرقيين.

نفسي في الملوخية يا أمي.. منستش ياحبيب أمك، لقد اشتريتها وخرطتها مع جوزين أرانب وصيت عليهم عم حسين الفرارجي..دفعت فيهم ثلاث جنيهات ونصف بعد الكرم.

بمجرد أن نصل البيت سأقوم بتسخين الطعام ونأكل جميعا ونجتمع عل الطبلية كما كنا زمان قبل ان يرحل أباك رحمة الله عليه.. فهل تتذكر ..طبعا لا أنسي.

مع الملوخية والأرانب يحلو الكلام..فتميل الأم علي أذن ابنها..بينما يلاحظ أخواته بشغف لمعرفة مايدور بينهما من حديث.

أنا اخترت لك(س.ص) بنت كويسة وأخلاق عالية ومتدينة ومن أسرة فقيرة علي قد حالهم، أنت لاتعرفها.. ولكن دعني أرتب موعد قريب لزيارتهم ورؤيتها..إن شاء الله تعجبك.. أنا واثق في اختيارك يا امي.

اشتري الفتي علبة شيكولاته من النوع غالي الثمن واصطحبته أمه ودق الباب ففتح له والد العروس الذي يعمل نجارا.

اهلا يا إبني..أهلا ياعمي..كيف أحوالك ..وبعد السؤال والتحية وشرب الشاي الذي قدمته العروس علي استحياء وبنظرات عميقة من اسفل فحصت خلالها الفتي الذي كان ينظر إليها مباشرة.

حصل الإعجاب “وغمزت السنارة” وهو ما لاحظه كل الحاضرين من الطرفين الذين تبادلوا البسمات وهم ينظرون إلي بعضهم البعض.. يميل الفتي ناحية أمه، وبصوت خافت “توكلنا علي الله”.

يشرفني ياعمي أن أتقدم لخطبة ابنتك المصون ومستعد لتجهيز بيت الزوجية في مصر ..عندي شقة في فيينا.. بعد عقد القران سأرسل لها دعوة لتلحق بي.. علي بركة الله يابني ..دا أنا أجهزها وأوصلها لباب البيت.

كانت الفتاة شاردة التفكير وهي تبتسم بين الحين والأخر..تفكر في الحياة الجديدة التي تنتظرها في فيينا، حيث ليالي الأنس و”فساتين “السواريه” والحلي والذهب والسيارة الفارهة والمال الوفير بعد صلف العيش وضيق الحياة ..فضلا عن الرجال الأوربيين الذي يقبلون يد المرأة ويحترمونها.. وتعيش حياة الحرية التي تعيشها المرأة الأوروبية..يالها من حياة ستعوضني سنين الفقر التي عشتها في بيت أبي..

بعد الاتفاق علي كل التفاصيل حدد الطرفان موعد عقد القران، فيجهز الفتي الأوراق الرسمية المطلوبة لدعوة زوجته.

سافر الفتي إلي فيينا وارسل لها الدعوة التي بها حصلت علي الفيزا من السفارة النمساوية ولحقت به إلي فيينا.

بدأ الفتي يرسل لأمه لتجهز له بيت الزوجية كما وعد حماه عند الخطوبة.

في فيينا كان كل شيئ يسير علي مايرام، خاصة في شهر العسل..سارت الحياة كما حلم بها.. أما هي فبدأت بعد مرور وقت ليس بقصير، تشعر بالملل ..فهي حبيسة الجدران الأربعة..حتي شعرت بأن شيئا ما يتحرك في إحشائها.. فظلت تطير من الفرحة

أخبرت زوجها ..لاتتحركي كثيرا ولا تقومي بأعمال المنزل سأتصرف أنا ..رزق الزوجان بأول ولد..وبعد عام ونصف رزقا بالولد الثاني.. هكذا استقرت الحياة، فلم تكن الفرحة تسعي كل منهما ..

بعد فترة من الوقت بدأ الزوج يشعر بأن زوجته أهملته وكرست وقتها للأولاد فقط..يأتي من العمل فلم يجد طعام يأكله، فيضطر أن يطبخ بنفسه مرة ، أو يتناول الطعام في المطاعم القريبة مرات كثيرة.

بدأ يفكر بشكل مغاير.. أنا متزوج ليه؟ بدأ يسهر كثيرا خارج البيت ..ياتي من العمل متأخرا.

لاحظت الزوجة ذلك  فلفتت انتباه، لكنه لم يبال. واستمر في طريقه الأول طريق الضياع..

بدأت الأصوات تعلو..أنت جيبني هنا ليه؟ لو مش عجبك إرجعي مصر..النزاعات الزوجية بدأت تؤثر علي طفليهما ..يصرخ الأطفال في كل مرة بصوت عالي فيسمعهم الجيران.. الذين ابلغوا الشرطة مع استمرار عدم الهدوء الذي يسود الأجواء.انتهي الأمر بنزع الطفلين بعيدا عن هذا الجو وتسليمهما لمؤسسة رعاية الأطفال(يوجند أمت) التي تقوم بتوفير جو مناسب لهما..طعن كل من الزوجين في قرار الانتزاع..لكن المحكمة رفضت الطعن وأيدت القرار..استمر الزوج في طريقه وعاد يشرب بشراهة، أما هي فقد جن جنونها..وتركت منزل الزوجية لأنها لم تعد في حاجة إليه بعد أن خلي من الضحكات البريئة.

ذهبت إلي الحواني والمراقص،  لتشرب هي الأخري وتتعرف علي رجال أخرين لعلها تجد ماتعوض بها خسارتها..وليس مايعوضها خسارة الاستقرار إلا حياة الضياع التي ذهبت لها طواعية بإرادتها.

وإلي لقاء أخر من واقع الغربة

رئيس التحرير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
translation»