الخبير السياسي حسام شاكر في لقاء مع موقع”إيجيروتي في” كوم – وتحليل للمشهد السياسي في النمسا

قال الخبير في السياسة الأوروبية الباحث حسام شاكر أن نتائج انتخابات البرلمان النمساوي التي أجريت أمس الأول الأحد وفاز فيها الأحرار اليمين المتطرف بالمركز الأول، جاءت في الإطار العام للتوقعات.
وأضاف في لقاء أجري بالهاتف مع رئيس تحرير( إيجيرو تي في) لموقعه كوم ، إن أقصى اليمين ممثلا بحزب الأحرار، حقق أداءاً قوياً وعزز مكانته بصفته الحزب الأول في النمسا من حيث رصيده الانتخابي.
وأشار إلي أن فوز 2024 يذكر بالصعود القوي في انتخابات 1999 حيث استطاع منذ لك الحين دخول الرواق السياسي والمشاركة في الحكومة وأن يصبح طرفاً مقبولاً إلى حد ما في الواجهة الحكومية رغم النبذ الذي يواجهه بطبيعة الحال والاثمن الباهظ الذي دفعته النمسا انذاك.
واستطرد أن حزب الأحرار عملياً خرج من لحظة الاستفادة من أزمة حزب الأحرار التي عصفت به عندما أسقطت فضيحة إيبيزا قيادة سلفه السابق هانز كريستيان اشتراخة( فضيحة تسريب لا شتراخه مع ابنة رجل اعمال روسي بلوبي أحد الفنادق في أوروبا يعرض عليها العمل في النمسا ويدعمها إعلاميا واقتصاديا مقابل دعمه سياسيا).
ويتابع شاكر أن الأحرار يعود اليوم لإسترجاع أصواته التي فقدها لصالح م حزب الشعب.
وفيما يتعلق بسياسات اللجوء والهجرة والتعاون مع المسلمين والتنوع الثقافي وملفات الأجانب والجنسية .
.يري شاكر أن حزب الشعب لايبتعد كثيرا عن الأحرار.
واعتبر أن المعضلة التي تواجهها النمسا ودول أوروبية أخرى هي أن الساحة السياسية أصبحت تحت هيمنة أقصى اليمين الذي ينظم الإيقاع ويفرض أولويات السياسة ليس فقط من خلال أدائه وحضوره المباشر ولكن أيضا من خلال تأثيره على الأحزاب الأخرى وخاصة أن أحزاب يمين الوسط في الانزياح نحو اليمين وتقمص مضامين أقصى اليمين في الأداء الحكومي وفي بعض المضامين الانتخابية .
ويضيف أن ذلك يبدو واضحا في غياب الجو السياسي لدى الأحزاب المنافسة من يسار الوسط تحديداً ومن الحضور في مواجهة المنحاء اليميني المتطرف وتصدي له بقوة ما جعل أقصى اليمين هو ضابط الإيقاع ويفقد الأجندة السياسية والنقاش العام، مشيرا أن ذلك هو الحاصل في النمسا وألمانيا وهولندا وإيطاليا وغيرها.
وماحدث في النمسا، يكمل الخبير السياسي، ليس مفاجأة ، ويعكس الرصيد المستقر من التصويت الانتخابي، والثقل التصويتي الذي يتجه نحو أقصى اليمين التي تعبّر عن ذاتها نسبيا خاصة في منطقة يمين الوسط ممثلة بحزب الشعب.
فيما يتعلق بالتحدي الذي تواجهه النمسا الآن هو مفاوضات تشكيل الحكومة، معربا عن اعتقاده القوي بانها سيكون معقدة وصعبة وشاقة للغاية. وأشار أن التصريحات الأولي التي تأتي بوعيد الانتخابات هي من باب تحسين الشروط التفاوضية لكل طرف، وإذ تعذّر الوصول إلى التوافق حول حكومة ائتلافية، قد يؤدي إلى أزمة سياسية في البلاد تسفر عن انتخابات مبكرة وقد لا تأتي النتائج مغايرة كثيرا سواء حزب الأحرار قد نجع في استقطاب مزيد من الأصوات من المنافسين.
وحول تأثير هذه الحالة علي السياسات الخارجية، أوضح أن النمسا عملياً اختطت نهجاً معيّناً في الابتعاد عن ثقافة الحياد الراسخة في صلب الدستور الاتحادي والتي كانت شرطا للاستقلال وظلت عليها عقود طويلة .
وهذا التوجه بدأ ملحوظاً منذ انضمام البلاد إلي الاتحاد الأوروبي، و ظهر بشكل ما مع نشوب الحرب الأوكرانية، كجزء من الدبلوماسية النمساوية الخارجية الغائبة بوضوح عن المشهد منذ حرب العراق وغائبة أيضا عن المشهد في جولات تصعيد الحرب ضد الشعب الفلسطيني بل أنها تنحازر بوضوح إلى الجانب الإسرائيلي بسبب الحساسيات التاريخية .
ويستطرد أن الدبلوماسية النمساوية تخلت عن مكانتها ودورها ونواصيها وإدارة علاقة متوازنة نحو العالم العربي لصالح استقطاب معين.
وتابع شاكر، أن النمسا في المحطات الانتخابية الأخيرة في سلوك التصويت في الهيئات الدولية كانت على أساس أن السياسة الخارجية النمساوية اتسمت بمنحا يميني وبنوع من السجال مع الاستقطاب الغربي النسبي دون أن تدخل في عضوية حلف شمال الأطلسي.
وأضاف أن على هذا الأساس فإن السياسة الخارجية النمساوية حتى مع صعود أقصى اليمين وإشركه في الحكومة لن تحمل مفاجأت. بل ستستمر حتى وإن صعد الحزب الاشتراكي الديموقراطي إلى الحكومة فإنه لن يكون الطرف الأقوى في الائتلاف الحكومي.
ولهذا لن تكون هناك بصمة مهمة في عدد من الملفات خاصة ما يتعلق منها بالسياسات الخارجية.
وأوضح أن الكتلة التصويتية الأكبر في البرلمان النمساوي هي يمنية ويمنية متطرفة، منوها أن هذه الكتلة قادرة على حسم اتجاهات التصريح في عدد من الملفات.
وعن حزب الخضر اعتبر الخبير السياسي بأنه، فقد هويته ولونه وسماته الأساسية وبدأ كأنه البديل غير المؤثر مكان حزب الأحرار اليميني المتطرف في الإتلاف الحكومي المنتهية ولايته.
وأشار إلي أن هذا التطور عمليا أفقد الخضر هويته ورصيده وانتخاب قطاعات عدة، بالإضافة إلى أزمة أحزاب الخضر في أوروبا والتي تجلت بشكل واضح في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة وفي ألمانيا حاليا والتي تعصف بقيادة الخضر شريك الإتتلاف الحكومي.
وحسب تقدير شاكر فإن أحزاب الخضر كبرنامج تواجه مأزقا وجوديا يتمثل في التشظي المتزايد وانشقاق قيادات بارزة في الحزب وتشكيل قوائم اتخابية وهذا يحصل تقريبا في كل جولة انتخابية كما حصل سابقاً في النمسا مع بيتا بيلز وكذلك مادلين بيتوفيتش زعيمة الحزب السابقة التي دخلت الانتخابات الأخيرة ولم تفلح في إحراز أصوات تكفي لدخول البرلمان.
على كل حال، يتابع الخبير،أن المشهد السياسي النمساوي بالنسبة للخضر في حالة من الركود السياسي مأزقاً مستعصياً لأنه لم يتمكن من كسب ثقة معظم الناخبين ولم يقدم خطاباً يلامس الشارع رغم أنه قدم وجهاً محسوباً على أقصى يسار الحزب.
وبالنسبة للحزب الليبرالي الجديد( نيوز)، يري أنه لم يستطع أن يقدم وجوهاً وسياسات ومضامين قادرة على تحفيز الناخبين.
فالساحة النمساوية يعتقد شاكر إنها نتيجة الهواجس والمخاوف التقليدية والمواقف التي يستبد بها أقصي اليمين ليس فقط في النمسا ولكن أيضاً في بلدان أوروبية أخرى والتي تحشد بنتائج الانتخابات نحو وجهة يمينية معينة.
ولم ينس شاكر الإشارة إلي أن هذه الانتخابات تأتي بعد سلسلة من الأزمات والهزات الصعبة المتمثلة في وباء كورونا والحرب في أوكرانيا والتضخم وصعود قضية اللجوءماقد يحول دون فوز أي حزب حاكم.
وسواء نجحت أحزاب معينة في تشكيل إتتلاف حكومي أو مضى الأمر إلى انتخابات برلمانية جديدة فإن النمسا في ثبات وركود سياسي، ماجعل من حزب الأحرار اليميني المتطرف الحصان الرابح في الجوالات الانتخابية المتعاقبة ، لكنه يواجه إشكالية لأي طرف في التحالف معه، وهنا يختتم الخبير السياسي حسام شاكر تحليله.